فقار فاضل
الخميس 11 أيلول 2025
روايات متعدّدة حول طبيعة الصفقة التي أنهت قضية تسوركوف (أ ف ب)
بغداد | أفرجت الحكومة العراقية عن الإسرائيلية – الروسية، إليزابيث تسوركوف، التي أوقفها أحد الفصائل بتهمة التجسّس لحساب العدو، في بغداد قبل أكثر من عام. واعتبر رئيس الوزراء، محمد شياع السوداني، العملية «نجاحاً أمنياً للدولة العراقية»، لافتاً، في منشور على منصة «إكس»، إلى أنّ الخطوة جاءت «تتويجاً لجهود طويلة ومعقّدة لأجهزتنا الأمنية»، مؤكّداً في الوقت نفسه أنّ الحكومة «لن تتهاون مع أي جهة تسيء إلى سمعة العراق».
لكن خلف هذا الإعلان الرسمي، تتكشّف روايات متعدّدة عن طبيعة الصفقة التي أنهت قضية تسوركوف، وعن حجم الضغوط الإقليمية والدُّولية التي أحاطت بها، في وقتٍ يتزايد فيه منسوب التوتر في المنطقة بعد استهداف قيادات من حركة «حماس» في الدوحة، واحتمال انتقال التصعيد الإسرائيلي – الأميركي ضدّ محور المقاومة إلى ساحات أخرى.
وتسوركوف، الباحثة في شؤون الشرق الأوسط والمرتبطة بمراكز بحثية إسرائيلية وأميركية، دخلت العراق في آذار 2023، حيث جرى اختطافها في قلب بغداد. ومنذ البداية، أحاط الغموض بملابسات احتجازها، فيما وجّهت أطراف سياسية عراقية أصابع الاتّهام إلى فصيل مسلّح مقرّب من طهران بالوقوف خلف العملية. وعقب ذلك، ضغطت الولايات المتحدة وإسرائيل علناً وخلف الكواليس للإفراج عنها، وسط تهديدات غير مباشرة بأنّ استمرار احتجازها قد يجعل العراق «في مرمى النيران».
وأكّد مصدر مطّلع، لـ«الأخبار»، أنّ عملية إطلاق سراح تسوركوف لم تكن «تحريراً أمنياً مباشراً»، بل جاءت في إطار تفاهمات معقّدة شاركت فيها شخصيات مؤثّرة على الفصيل الخاطف، بتكليف مباشر من السوداني. وأضاف أنّ التفاهم شمل «ضمانات بعدم استهداف العراق من قبل إسرائيل أو الولايات المتحدة»، فضلاً عن الحديث عن تبادل لإطلاق سراح موقوفين آخرين في المنطقة.
ووفقاً للمصدر، فإنّ تخوّف بغداد من اتّساع الضربات الإسرائيلية بعد استهداف قيادات في «حماس» في الدوحة، كان دافعاً رئيساً إلى الإسراع في إغلاق الملف، خصوصاً أنّ معلومات تسرّبت عن إعداد قائمة تضمّ 26 هدفاً حيوياً داخل العراق قد تكون عرضة لضربات إسرائيلية، في حال لم يتمّ الإفراج عن تسوركوف.
وأشار الكاتب والمحلّل السياسي، فلاح الذهبي، بدوره، إلى أنّ جزءاً من زيارة السوداني الأخيرة إلى مسقط «ارتبط بالتفاهم مع الأميركيين على إخراج تسوركوف، مقابل تهدئة جبهة العراق وإبعاده عن الاستهداف المباشر». وبحسب الذهبي، فإنّ هذا الاتفاق جرى «بعلم حزب الله وإيران»، في إطار تفاهم إقليمي - دُولي لتخفيف التصعيد، بحسبه.
وكان كشف مصدر في أحد الفصائل المسلّحة أنّ إطلاق سراح تسوركوف جاء في سياق «اتّفاقات تهدئة»، نافياً أن تكون الفصائل قد قدّمت «تنازلات حقيقية»، مؤكّداً أنّ «سلاح المقاومة باقٍ». لكنه أقرّ بأنّ «الرسائل الإسرائيلية الأخيرة، سواء عبر استهدافات في قطر أو تهديدات للعراق، دفعت الجميع إلى التعامل بمرونة أكبر مع مطالب الوساطة».
وفي المحصّلة، يبدو أنّ ملف تسوركوف أغلق مرحلياً، لكنه قد لا يضمن لبغداد فعلاً قرار منع استهداف أراضيها. وفي هذا الصدد، حذّر السياسي العراقي، داوود القيسي، في تصريحٍ إلى «الأخبار»، من أنّ «التسويات الراهنة ليست سوى هدنة مؤقّتة، في انتظار جولة جديدة من المواجهة الإقليمية». ورأى أنّ «إطلاق سراح تسوركوف قد لا يُعفي الساحة العراقية من مواجهات كبيرة قد تشهدها البلاد قريباً»، مضيفاً أنّ «السوداني يسعى إلى التهدئة، خصوصاً مع اقتراب موعد الانتخابات، لتجنّب أي تصعيد قد يهدّد الاستقرار الداخلي».